Translate ***

السبت، 26 مايو 2018

7.كل كتاب الزكاة: ويشتمل على ستة أبواب



كتاب الزكاة ويشتمل على ستة أبواب:
.الباب الأول: في مقدمات الزكاة:
وفيه مسائل:
.المسألة الأولى: في تعريف الزكاة:

الزكاة في اللغة: النماء والزيادة. يقال: زكا الزرع إذا نما.
وشرعاً: عبارة عن حق يجب في المال الذي بلغ نصاباً معيناً بشروط مخصوصة، لطائفة مخصوصة. وهي طهرة للعبد، وتزكية لنفسه، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، وهي سبب من أسباب إشاعة الألفة، والمحبة، والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم.
.المسألة الثانية: حكم الزكاة ودليل ذلك:
الزكاة فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركانه الخمسة، وهي أهم أركانه بعد الصلاة؛ لقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، وقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان»، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصيته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم».
وقد أجمع المسلمون في جميع الأمصار على وجوبها، واتفق الصحابة على قتال مانعيها.
فثبت بذلك فرضية الزكاة بالكتاب، والسنة، والإجماع.
.المسألة الثالثة: حكم من أنكرها:
من أنكر وجوب الزكاة جهلاً بها، وكان ممن يجهل مثله ذلك: إما لحداثة عهده بالإسلام، أو لكونه نشأ ببادية بعيدة عن الأمصار، عُرِّف وجوبها، ولم يحكم بكفره، لأنه معذور.
وإن كان منكرها مسلماً ناشئاً ببلاد الإسلام وبين أهل العلم، فهو مُرْتَدٌّ تجري عليه أحكام الردة، ويستتاب ثلاثاً، فإن تاب وإلا قُتل؛ لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا تكاد تخفى على من هذا حاله، فإذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة، وكفره بهما.
.المسألة الرابعة: حكم مانعها بخلاً:
من منع أداء الزكاة بخلاً بها مع اعتقاده بوجوبها، فهو آثم بامتناعه ولا يُخرجه ذلك عن الإسلام؛ لأن الزكاة فرع من فروع الدين، فلم يكفر تاركه بمجرد تركه، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مانع الزكاة: «ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» ولو كان كافراً لما كان له سبيل إلى الجنة، وهذا تؤخذ منه الزكاة قهراً مع التعزير، فإن قاتل دونها قوتل حتى يخضع لأمر الله تعالى، ويؤدي الزكاة؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5].
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله».
ولقول أبي بكر الصديق: (لو منعوني عَنَاقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم عليها). والعَنَاقُ: الأنثى من ولد المعز، ما لم تستكمل سنة.
وكان معه في رأيه الخلفاء الثلاثة وسائر الصحابة، فكان ذلك إجماعاً منهم على قتال مانعي الزكاة، ومانعها بخلاً يدخل تحت هذه النصوص.
.المسألة الخامسة: في الأموال التي تجب فيها الزكاة:
تجب الزكاة في خمسة أجناس من الأموال وهي:
1- بهيمة الأنعام: وهي الإبل، والبقر، والغنم، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها، إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما نفذت أخراها عادت عليه أولاها حتى يُقضى بين الناس»
2- النقدان: وهما الذهب والفضة، وكذلك ما يقوم مقامهما من العملات الورقية المتداولة اليوم، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34].
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار، فأُحمِيَ عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت رُدَّت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة».
3- عروض التجارة: وهي كل ما أعدَّ للبيع والشراء لأجل الربح؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267]، فقد ذكر عامة أهل العلم أن المراد بهذه الآية زكاة عروض التجارة.
4- الحبوب والثمار: الحبوب: هي كل حب مدخر مقتات من شعير وقمح وغيرهما. والثمار: هي التمر والزبيب؛ لقوله تعالى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]. وقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
وقولى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَريّاً العشر، وفيما سُقِي بالنَّضْحِ نصف العشر».
5- المعادن والرِّكاز: المعادن: هي كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها، من غير وضع واضع مما له قيمة؛ كالذهب، والفضة، والنحاس، وغير ذلك.
والرِّكاز: هو ما يوجد في الأرض من دفائن الجاهلية، ودليل وجوب الزكاة في المعادن والركاز عموم قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]. قال الإمام القرطبي في تفسيره: يعني النبات والمعادن والركاز، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وفي الركاز الخمس».
وأجمعت الأمة على وجوب الزكاة في المعادن.
.المسألة السادسة: في الحكمة من إيجاب الزكاة، وعلى مَنْ تجب (شروط وجوبها):
أ- الحكمة في إيجاب الزكاة:
شرعت الزكاة لحكم سامية، وأهداف نبيلة، لا تحصى كثرة، منها:
1- تطهير المال وتنميته، وإحلال البركة فيه، وذهاب شره ووبائه، ووقايته من الآفات والفساد.
2- تطهير المزكِّي من الشح والبخل، وأرجاس الذنوب والخطايا، وتدريبه على البذل والإنفاق في سبيل الله.
3- مواساة الفقير وسد حاجة المعوزين والبائسين والمحرومين.
4- تحقيق التكافل والتعاون والمحبة بين أفراد المجتمع، فحينما يعطي الغني أخاه الفقير زكاة ماله يستلُّ بها ما عسى أن يكون في قلبه من حقد وتمنٍّ لزوال ما هو فيه من نعمة الغنى، وبذلك تزول الأحقاد ويعم الأمن.
5- إن في أدائها شكراً لله تعالى على ما أسبغ على المسلم من نعمة المال، وطاعة لله سبحانه وتعالى في تنفيذ أمره.
6- أنها تدل على صدق إيمان المزكي؛ لأن المال المحبوب لا يخرج إلا لمحبوب أكثر محبة، ولهذا سميت صدقة؛ لصدق طلب صاحبها لمحبة الله، ورضاه.
7- أنها سبب لرضا الرب، ونزول الخيرات، وتكفير الخطايا، وغيرها.
ب- على من تجب الزكاة (شروط وجوبها):
تجب الزكاة على من توافرت فيه الشروط الآتية:
1- الإسلام: فلا تجب الزكاة على الكافر؛ لأنها عبادة مالية يتقرب بها المسلم إلى الله، والكافر لا تقبل منه العبادة حتى يدخل في الإسلام، لقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 54] فإذا كانت لا تقبل منهم فلا فائدة في إلزامهم بها، ولمفهوم قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلمين)، لكنه مع ذلك محاسب عليها، لأنه مخاطب بفروع الشريعة على الصحيح.
2- الحرية: فلا تجب الزكاة على العبد والمُكَاتَب؛ لأن العبد لا يملك شيئاً، والمكاتب ملكه ضعيف، وأن العبد وما في يده ملك لسيده، فتجب زكاته عليه.
3- ملك النصاب ملكاً تاماً مستقراً: وكونه فاضلاً عن الحاجات الضرورية التي لا غنى للمرء عنها، كالمطعم، والملبس، والمسكن؛ لأن الزكاة تجب مواساة للفقراء، فوجب أن يعتبر ملك النصاب الذي يحصل به الغنى المعتبر، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة».
4- حولان الحول على المال: وذلك بأن يمر على النصاب في حوزة مالكه اثنا عشر شهراً قمرياً؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول».
وهذا الشرط خاص ببهيمة الأنعام والنقدين وعروض التجارة، أما الزروع والثمار والمعادن والركاز فلا يشترط لها الحول؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، ولأن المعادن والركاز مال مستفاد من الأرض، فلا يعتبر في وجوب زكاته حول، كالزروع والثمار.
.المسألة السابعة: في أقسامها:
الزكاة قسمان:
1- زكاة الأموال: وهي التي تتعلق بالمال.
2- زكاة الأبدان: وهي التي تتعلق بالبدن، وهي زكاة الفطر.
.المسألة الثامنة: زكاة الدَّيْن:
الدين إذا كان على معسر فإن صاحب الدين يزكيه إذا قبضه لعام واحد في سنة قبضه، وإن كان على مليء قادر فإنه يزكيه لكل عام؛ لأنه في حكم الموجود عنده.
.الباب الثاني: في زكاة الذهب والفضة:
وفيه مسائل:
.المسألة الأولى: حكم الزكاة فيهما، وأدلة ذلك:
تجب الزكاة في الذهب والفضة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] ولا يُتَوعد بهذه العقوبة إلا على ترك واجب.
ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما مِن صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار، فأُحْمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت عليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي الله بين العباد».
ولإجماع أهل العلم على أن في مائتي درهم خمسة دراهم، وعلى أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً، وقيمته مائتا درهم، تجب الزكاة فيه.
.المسألة الثانية: مقدارها:
مقدار الزكاة الواجبة في الذهب والفضة ربع العشر، أي في كل عشرين ديناراً من الذهب نصف دينار، وما زاد فبحسابه قل أو كثر، وفي كل مائتي درهم من الفضة خمسة دراهم، وما زاد فبحسابه؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتاب الصدقة: «وفي الرِّقَةِ كل مائتي درهم ربع العشر». ولحديث: «... وليس عليك شيء- يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً. فإذا كان لك عشرون ديناراً، وحال عليه الحول، ففيها نصف مثقال». ولما جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أنَّه «كان يأخذ من كل عشرين مثقالاً نصف مثقال».
.المسألة الثالثة: شروطها:
يشترط لوجوب الزكاة في الذهب والفضة الشروط التالية:
1- بلوغ النصاب، وهو عشرون مثقالاً من الذهب؛ لحديث علي: «... وليس عليك شيء- يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليه الحول ففيها نصف مثقال» ويساوي بالجرامات (85) جراماً.
ونصاب الفضة مائتا درهم من الفضة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة». والأوقية أربعون درهماً، فخمس أواق تساوي مائتي درهم، وقولى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وفي الرَّقَة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائةً فليس فيها شيء، إلا أن يشاء رَبُّها».
وقد أجمع العلماء على أن نصاب الفضة خمس أواق، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً.
2- بقية الشروط العامة التي سبقت فيمن تجب عليه الزكاة، وهي: الإسلام، والحرية، والملك التام، وحَوَلان الحول، وقد سبق الكلام عليها.
.المسألة الرابعة: في ضم أحدهما- الذهب والفضة- إلى الآخر:
لا يضم أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب على القول الراجح؛ لأنهما جنسان مختلفان، فلم يضم أحدهما إلى الآخر، كالإبل والبقر، والشعير والقمح، مع أن المقصود منها واحد، وهو التنمية في الإبل والبقر، والقوت في الشعير والقمح، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وليس فيما دون خمس أواق صدقة». ويلزم من القول بضم أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب وجوب الزكاة في أقل من خمس أواق من الفضة، إذا كان عنده ما يكمل به من الذهب. ويشمل الحديث ما إذا كان عنده من الذهب ما يكمل به خمس أواق، أو لا. وعلى هذا إذا كان عنده عشرة دنانير ومائة درهم، فلا زكاة عليه؛ لأن الذهب يزكى وحده، وكذلك الفضة.
.المسألة الخامسة: في زكاة الحُلِيّ:
لا خلاف بين أهل العلم في وجوب الزكاة في الحلي المعدّ للادخار والكراء، وفي الحلي المُحَرَّم؛ كالرجل يتخذ خاتماً من ذهب، أو المرأة تتخذ حلياً صنع على صورة حيوان، أو فيه صورة حيوان، أما الحلي المعدّ للاستعمال المباح والعارية، فالصحيح من قولي أهل العلم وجوب الزكاة فيه؛ وذلك لما يلي:
1- عموم النصوص الواردة في وجوب الزكاة في الذهب والفضة، وهذا العموم يشمل الحلي وغيره.
2- ما رواه أهل السنن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أن امرأة أتت إلى رسول الله ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مَسَكَتانِ غليظتان من ذهب، فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسوِّرك الله بهما سوارين من نار، فخلعتهما، وألقتهما إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». وهذا الحديث نص في الموضوع، وله شاهد في الصحيح وغيره.
3- ولأن هذا القول أحوط، وأبرأ للذمة؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
.المسألة السادسة: في زكاة عُرُوض التجارة:
العروض: جمع عَرْض وعَرَض، وهو ما أعده المسلم للتجارة من أي صنف كان، وهو أعم أموال الزكاة وأشملها. وسُمِّي بذلك: لأنه لا يستقر، بل يعرِض ثم يزول، فإن التاجر لا يريد هذه السلعة بعينها، وإنما يريد ربحها من النقدين.
والزكاة واجبة فيه لعموم قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)} [الذاريات: 19]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267]. ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم»، ولا شك أن عروض التجارة مال.
وشروط وجوب الزكاة فيها:
1- أن يملكها بفعله كالشراء، وقبول الهدية، فلا يدخل في ذلك الإرث ونحوه، مما يدخل قهراً.
2- أن يملكها بنية التجارة.
3- أن تبلغ قيمتها نصاباً، بالإضافة إلى الشروط الخمسة السابقة في أول الزكاة.
فإذا حال عليها الحول قُوِّمت بأحد النقدين الذهب أو الفضة، فإذا بلغت القيمة نصاباً وجب فيها ربع العشر.
ولا اعتبار في التقويم لما اشتريت به العروض؛ لأن قيمتها تختلف ارتفاعاً ونزولاً، وإنما العبرة بقيمتها وقت تمام الحول.
.الباب الثالث: في زكاة الخارج من الأرض:
وفيه مسائل:
.المسألة الأولى: متى تجب؟ ودليل ذلك:
الأصل في وجوبها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267].
وتجب الزكاة في الحبوب إذا اشتد الحَبُّ، وصار فريكاً، وتجب في الثمار عند بدو صلاحها، بحيث تصبح ثمراً طيباً يؤكل، ولا يشترط له الحول؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
فتجب الزكاة في كل مكيل مدخر من الحبوب والثمار، كالحنطة، والشعير والذرة، والأرز، والتمر، والزبيب. ولا تجب في الفواكه، والخضروات. فالمكيل: لكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتبر التوسيق فيه، وهو التحميل. والمدَّخر: لوجود المعنى المناسب لإيجاب الزكاة فيه.
وعلى هذا، فما لم يكن مكيلاً ولا مدخراً من الحبوب والثمار، فلا زكاة فيه.
.المسألة الثانية: شروطها:
يشترط لوجوب الزكاة في الحبوب والثمار شرطان:
1- بلوغ النصاب، وهو خمسة أوسق؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة».
والوسق حمل البعير، وهو ستون صاعاً بصاع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع، فيكون زنة النصاب بالبرّ الجيِّد ما يقارب ستمائة واثني عشر كيلو جراماً، على اعتبار أن وزن الصاع 2.40 كيلو جراماً.
2- أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة.
.المسألة الثالثة: في مقدار الواجب:
والواجب في الحبوب والثمار: العشر فيما سقي بلا كلفة، بأن كانت عثرية، أو تسقى بماء العيون، ونصف العشر فيما سقي بمؤنة، بأن كانت تسقى بالدلاء والسواني ونحوها؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فيما سقت السماء والأنهار والعيون، أو كان بَعْلاً، العشر، وفيما سقي بالسواني، أو النضح، نصف العشر».
.المسألة الرابعة: في زكاة العسل:
حكى ابن عبد البر- رحمه الله- عن الجمهور أنه لا زكاة فيه، وهو الأظهر؛ لأنه ليس في الكتاب، ولا في السنة، دليل صحيح صريح على وجوبها، والأصل براءة الذمة حتى يقوم دليل على الوجوب. قال الإمام الشافعي- رحمه الله-: "الحديث «في أن في العسل العشر» ضعيف، وفي «ألا يؤخذ منه» ضعيف، إلا عن عمر بن عبد العزيز، واختياري أنه لا يؤخذ منه؛ لأن السنن والآثار ثابتة فيما يؤخذ منه، وليست فيه ثابتة فكأنه عفو". وقال ابن المنذر: "ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت".
.المسألة الخامسة: في الرِّكاز:
الرِّكاز: هو ما وُجد من دفائن الجاهلية ذهباً أو فضة أو غيرهما مما عليه علامة الكفر، ولم يطلب بمال، ولم يتكلف فيه نفقة وكبير عمل، وأما ما طلب بمال وتطلَّب كبير عمل، فليس بركاز، ويجب فيه الخمس في قليله وكثيره، ولا يُشترط له الحول ولا النصاب؛ لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وفي الركاز الخمس»، وهو فيء يصرف في مصالح المسلمين العامة، ولا يشترط أن يكون من مال معين، فسواء كان من الذهب أو الفضة أو غيرهما.
ويعرف كونه من دفائن الجاهلية: بوجود علامات الكفر عليه، ككتابة أسمائهم، ونقش صورهم، ونحو ذلك من العلامات.
وأما المَعْدِن: فهو كل ما تولَّد من الأرض من غير جنسها، ليس نباتاً، سواء أكان جارياً، كالنِّفط والقار، أم جامداً؛ كالحديد والنحاس والذهب والفضة والزئبق. فتجب فيه الزكاة بالإجماع كما سبق، لعموم النصوص الواردة في وجوب الزكاة في الخارج من الأرض، كقوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267].
.الباب الرابع: في زكاة بهيمة الأنعام:
وفيه مسائل:
وبهيمة الأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم، والبقر يشمل الجاموس أيضاً، فهو نوع من البقر. والغنم يشمل الماعز، والضأن. وسُمِّيت بهيمة الأنعام؛ لأنها لا تتكلم، من الإبهام وهو الإخفاء، وعدم الإيضاح.
.المسألة الأولى: شروط وجوبها:
يشترط لوجوب الزكاة في بهيمة الأنعام الشروط التالية:
1- أن تبلغ الأنعام النصاب الشرعي، وهو في الإبل خمس، وفي البقر ثلاثون، وفي الغنم أربعون؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس فيما دون خمس ذود صدقة»، ولحديث معاذ: (بعثنى رسول الله أصدق أهل اليمن، فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً، ومن كل أربعين مسنة)، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة، فليس فيها صدقة...».
2- أن يحول على الأنعام حول كامل عند مالكها وهي نصاب؛ لحديث: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول».
3- أن تكون سائمة، وهي التي ترعى الكلأ المباح- وهو الذي نبت بفعل الله سبحانه دون أن يزرعه أحد- في الحول أو أكثره؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وفي صدقة الغنم في سائمتها، إذا كانت أربعين إلى مائة وعشرين، شاة»، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وفي كل إبل سائمة في أربعين بنت لبون»، فإن كانت ترعى أقل الحول ويعلفها أكثره، فليست سائمة، ولا زكاة فيها.
4- أن لا تكون عاملة، وهي التي يستخدمها صاحبها في حرث الأرض، أو نقل المتاع، أو حمل الأثقال؛ لأنها تدخل في حاجات الإنسان الأصلية كالثياب. أما إذا أُعِدَّت للكراء فإن الزكاة تكون فيما يحصل من أجرتها، إذا حال عليه الحول.
.المسألة الثانية: في قدر الواجب:
1- قدر الواجب في الإبل:
ومقدار الزكاة الواجبة: في الخمس من الإبل شاة جذعة من الضأن، أو ثَنِيَّة من المعز، وفي العشر شاتان، وفي الخمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض من الإبل، وهي ما تَمَّ لها سنة، ودخلت في الثانية. وسُمِّيت بذلك لأن الغالب أن أمَّها قد حملت، فهي ماخض أي: حامل، فإن لم يجدها أجزأه ابن لبون ذكر، وهو ما تَمَّ له سنتان ودخل في الثالثة، وسُمِّي بذلك؛ لأن أمه وضعت الحمل الثاني في الغالب فهي ذات لبن. وفي ست وثلاثين إلى خمس وأربعين بنت لبون، لها سنتان.
وفي ست وأربعين إلى ستين حِقَّةٌ، وهي ما تَمَّ لها ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة. وسميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الفحل. وقيل: لأنها استحقت الركوب، والتحميل.
وفي إحدى وستين إلى خمس وسبعين جذعة، وهي ما تَمَّ لها أربع سنين ودخلت في الخامسة، وسميت بذلك لأنها جذعت مقدم أسنانها أي: أسقطته.
وفي ست وسبعين إلى تسعين بنتا لبون.
وفي إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين حقتان.
فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة؛ وذلك لحديث أنس في كتاب الصدقة وفيه: (في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى..) الحديث.
وهذا جدول يبين كيفية الزكاة في الإبل:
العدد [من- إلى]----------- المقدار الواجب
[5- 9]--------------- شاة
[10- 14]------------- شاتان
[15- 19]------------- ثلاث شياه
[20- 24]------------- أربع شياه
[25- 35]------------- بنت مخاض
[36- 45]------------- بنت لبون
[46- 60]------------- حقة
[61- 75]------------- جذعة
[76- 90]------------- بنتا لبون
[91- 120]------------- حقتان
فما زاد على 120 فالواجب في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.
2- قدر الواجب في البقر:
يجب في ثلاثين بقرة إلى تسع وثلاثين تبيع، وهو ما تم له سنة، وسُمِّي بذلك لأنه يتبع أمه، وفي أربعين إلى تسع وخمسين مسنة، وهي ما تَمَّ لها سنتان، وسميت بذلك؛ لأنها طلعت لها أسنان.
وفي ستين إلى تسع وستين تبيعان.
ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة، وهكذا مهما بلغت.
وذلك لحديث معاذ رضي الله عنه وفيه: (فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً، ومن كل أربعين مسنة).
وهذا جدول يبين كيفية الزكاة في البقر:
العدد [من- إلى]------------- المقدار الواجب
[30- 39]--------------- تبيع
[40- 59]--------------- مسنة
[60- 69]--------------- تبيعان
[70- 79]--------------- تبيع ومسنة
فما زاد ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة.
3- قدر الواجب في الغنم:
ويجب في أربعين من الغنم إلى مائة وعشرين، شاة، وفي مائة وإحدى وعشرين إلى مائتين، شاتان، وفي مائتين وواحدة إلى ثلاثمائة، ثلاث شياه، ثم تستقر الفريضة فيها بعد هذا المقدار، فيكون في كل مائة شاةٌ، مهما بلغت.
وذلك لما جاء في حديث أنس في كتاب الصدقة وفيه: (وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على مائة وعشرين إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة).
وهذا جدول يبين كيفية زكاة الغنم:
العدد [من- إلى]------------- المقدار الواجب
[40- 120]-------------- شاة
[121- 200]------------- شاتان
[201- 300]------------- ثلاث شياة
فما زاد على ذلك ففي كل مائة شاة.
.المسألة الثالثة: في صفة الواجب:
وازن الإسلام بتشريعه العادل بين المصالح للفقراء والأغنياء، فندب إلى أخذ الفقير حقوقه كاملة، غير منقوصة، وندب إلى مراعاة حقوق الأغنياء في أموالهم، ولذلك حدد الواجب في الزكاة بأن يكون من وسط المال، لا من خياره، ولا من شراره، فيجب على الساعي مراعاة السن الواجبة، إذ لا يجزئ أقلّ منها؛ لأنه إضرار بالفقراء، ولا يأخذ أعلى منها؛ لأنه إجحاف بالأغنياء.
ولا يأخذ المريضة، والمعيبة، والكبيرة الهرمة؛ لأنها لا تنفع الفقير، وبالمقابل لا يأخذ الأكولة، وهي السمينة المعدّة للأكل، ولا الرُّبى، وهي التي تربي ولدها، ولا الماخض وهي الحامل، ولا الفحل المعد للضراب، ولا حرزات المال، وهي خيارها التي تحرزها العين؛ لأنها من كرائم الأموال، وأخذها إضرار بالغني لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... وإياك وكرائم أموالهم».
ولما روي عن عمر أنه قال لعامله سفيان: (قل لقومك: إنا ندع لكم الرُّبى، والماخض، وذات اللحم، وفحل الغنم، ونأخذ الجذع والثني، وذلك وسط بيننا وبينكم في المال).
.المسألة الرابعة: في الخلطة في بهيمة الأنعام:
وهي على نوعين:
النوع الأول: خلطة أعيان، وهي: أن يكون المال مشتركاً بين اثنين في المِلك، مشاعاً بينهما، لم يتميز نصيب أحدهما عن الآخر، وتكون خلطة الأعيان بالإرث، وتكون بالشراء.
النوع الثاني: خلطة أوصاف، وهي أن يكون نصيب كل منهما متميزاً معروفا، ويجمع بينهما الجوار فقط.
وهي بنوعيها تُصَيِّر المالين المختلطين كالمال الواحد إذا كان مجموع المالين نصاباً، وأن يكون الخليطان من أهل وجوب الزكاة. فلو كان أحدهما كافراً لا تصح الخلطة، ولا تؤثر، وأن يشترك المالان المختلطان في المراح، وهو المبيت والمأوى، ويشتركا في المسرح فيسرحن جميعاً، ويرجعن جميعاً، والمحلب والمرعى، والفحل، فيكون فحل الضراب واحداً مشتركاً لها جميعاً.
فإذا توافرت هذه الشروط أصبح المالان كالمال الواحد بتأثير الخلطة.
لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية». فالخلطة تؤثر في إيجاب الزكاة وفي إسقاطها، وذلك في بهيمة الأنعام خاصة دون غيرها.
ومثال الجمع بين المتفرق: أشخاص ثلاثة كل واحد منهم يملك أربعين من الغنم، فجميعها مائة وعشرون، فلو اعتبرنا كل واحد لوحده لوجب عليهم ثلاث شياه، لكن إذا جمعنا الغنم كلها فلا يكون فيها إلا شاة واحدة. فهنا: جمعوا بين متفرق؛ لئلا يجب عليهم ثلاث شياه، بل واحدة.
ومثال التفريق بين مجتمع: شخص عنده أربعون شاة، فإذا علم بمجيء العامل فرق بينها فجعل عشرين منها في مكان وعشرين في مكان آخر، فلا يؤخذ عليها زكاة لعدم بلوغها النصاب متفرقة.
.الباب الخامس: في زكاة الفطر، ويقال لها: صدقة الفطر:
وفيه مسائل:
وسميت بذلك: لأنها تجب بالفطر من رمضان، ولا تعلق لها بالمال، وإنما هي متعلقة بالذمة، فهي زكاة عن النفس والبدن.
.المسألة الأولى: في حكمها ودليل ذلك:
زكاة الفطر واجبة على كل مسلم؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين».
.المسألة الثانية: شروطها وعلى من تجب:
تجب زكاة الفطر على كل مسلم كبير وصغير، وذكر وأنثى، وحر وعبد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق.
ويستحب إخراجها عن الجنين إذا نفخت فيه الروح، وهو ما صار له أربعة أشهر؛ فقد كان السلف يخرجونها عنه، كما ثبت عن عثمان وغيره.
ويجب أن يُخرجها عن نفسه، وعمن تلزمه نفقته، من زوجة أو قريب، وكذا العبد، فإن صدقة الفطر تجب على سيده؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس في العبد صدقة، إلا صدقة الفطر». ولا تجب إلا على مَنْ فضل عن قوته، وقوت من تلزمه نفقته وحوائجه الضرورية في يوم العيد وليلته ما يؤدي به الفطرة.
فزكاة الفطر لا تجب إلا بشرطين:
1- الإسلام، فلا تجب على الكافر.
2- وجود ما يفضل عن قوته، وقوت عياله، وحوائجه الأصلية في يوم العيد وليلته.
.المسألة الثالثة: في حكمة وجوبها:
من الحكم في وجوب زكاة الفطر ما يلي:
1- تطهير الصائم مما عسى أن يكون قد وقع فيه في صيامه، من اللغو والرفث.
2- إغناء الفقراء والمساكين عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم؛ ليكون العيد يوم فرح وسرور لجميع فئات المجتمع، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين».
3- وفيها إظهار شكر نعمة الله على العبد بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه، وفعل ما تيسَّر من الأعمال الصالحة في هذا الشهر المبارك.
.المسألة الرابعة: مقدار الواجب، ومِمَّ يخرج؟
الواجب في زكاة الفطر صاع من غالب قوت، أهل البلد من بر، أو شعير، أو تمر، أو زبيب، أو أَقط، أو أرز، أو ذرة، أو غير ذلك؛ لثبوت ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأحاديث الصحيحة، كحديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم.
ويجوز أن تعطي الجماعة زكاة فطرها لشخص واحد، وأن يعطي الواحد زكاته لجماعة.
ولا يجزئ إخراج قيمة الطعام؛ لأن ذلك خلاف ما أمر به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأنه مخالف لعمل الصحابة، فقد كانوا يخرجونها صاعاً من طعام، ولأن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين وهو الطعام، فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين.
.المسألة الخامسة: في وقت وجوبها وإخراجها:
تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من ليلة العيد؛ لأنه الوقت الذي يكون به الفطر من رمضان. ولإخراجها وقتان: وقت فضيلة وأداء، ووقت جواز.
فأما وقت الفضيلة: فهو من طلوع فجر يوم العيد إلى قبيل أداء صلاة العيد، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة».
وأما وقت الجواز: فهو قبل العيد بيوم أو يومين؛ لفعل ابن عمر وغيره من الصحابة لذلك.
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرها فهي صدقة من الصدقات، ويأثم على هذا التأخير؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات».
.الباب السادس: في أهل الزكاة:
وفيه مسائل:
.المسألة الأولى: من هم أهل الزكاة؟ ودليل ذلك:
أهل الزكاة هم المستحقون لها، وهم الأصناف الثمانية الذين حصرهم الله عز وجل في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].
وإيضاح هذه الأصناف كما يلي:
1- الفقراء: جمع فقير، وهو من ليس لديه ما يسد حاجته، وحاجة من يعول، من طعام وشراب وملبس ومسكن، بألا يجد شيئاً، أو يجد أقلّ من نصف الكفاية، ويعطى من الزكاة ما يكفيه سنة كاملة.
2- المساكين: جمع مسكين، وهو من يجد نصف كفايته أو أكثر من النصف، كمن معه مائة ويحتاج إلى مائتين، ويعطى من الزكاة ما يكفيه لمدة عام.
3- العاملون عليها: جمع عامل، وهو من يبعثه الإمام لجباية الصدقات، فيعطيه الإمام ما يكفيه مدة ذهابه وإيابه ولو كان غنياً؛ لأن العامل قد فَرَّغ نفسه لهذا العمل، والعاملون هم كل من يعمل في جبايتها، وكتابتها، وحراستها، وتفريقها على مستحقيها.
4- المؤلفة قلوبهم: وهم قوم يعْطَوْن الزكاة؛ تأليفاً لقلوبهم على الإسلام إن كانوا كفاراً، وتثبيتاً لإيمانهم، إن كانوا من ضعاف الإيمان المتهاونين في عباداتهم، أو لترغيب ذويهم في الإسلام، أو طلباً لمعونتهم أو كف أذاهم.
5- في الرقاب: جمع رقبة، والمراد بها العبد المسلم أو الأمة يُشْتَرى من مال الزكاة وَيُعتق، أو يكون مُكَاتَباً فيعطى من الزكاة ما يسدد به نجوم كتابته؛ ليصبح حراً نافذ التصرف، وعضواً نافعاً في المجتمع، ويتمكن من عبادة الله تعالى على الوجه الأكمل، وكذا الأسير المسلم يفك من الأعداء من مال الزكاة.
6- الغارمون: جمع غارم، وهو المدين الذي تَحَملَ ديناً في غير معصية الله، سواء لنفسه في أمر مباح، أو لغيره كإصلاح ذات البين، فهذا يعطى من الزكاة ما يسدد به دينه، والغارم للإصلاح بين الناس يعطى من الزكاة، وإن كان غنياً.
7- في سبيل الله: المراد به الغزاة في سبيل الله المتطوعون الذين ليس لهم راتب في بيت المال، فيعطون من الزكاة، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء.
8- ابن السبيل: وهو المسافر المنقطع عن بلده الذي يحتاج إلى مال؛ ليواصل السفر إلى بلده، إذا لم يجد من يقرضه.
.المسألة الثانية: في حد الذين لا تدفع لهم الزكاة:
الأصناف الذين لا يجوز صرف الزكاة لهم هم:
1- الأغنياء، والأقوياء المكتسبون، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا حظ فيها لغني، ولا لقويٍ مُكْتَسِب»، لكن يُعطى العامل عليها والغارم وإن كانوا أغنياء، كما تقدم. والقادر على الكسب إذا كان متفرغاً لطلب العلم الشرعي، وليس له مال، فإنه يعطى من الزكاة؛ لأن طلب العلم جهاد في سبيل الله، وأما إن كان القادر على الكسب عابداً ترك العمل للتفرغ لنوافل العبادات فلا يعطى؛ لأن العبادة نفعها قاصر على العابد بخلاف العلم.
2- الأصول والفروع والزوجة الذين تجب نفقتهم عليه، فلا يجوز دفع الزكاة إلى من تجب على المسلم نفقتهم كالآباء والأمهات، والأجداد والجدات، والأولاد، وأولاد الأولاد؛ لأن دفع الزكاة إلى هؤلاء يغنيهم عن النفقة الواجبة عليه، ويسقطها عنه، ومن ثَم يعود نفع الزكاة إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه.
3- الكفار غير المؤلَّفين، فلا يجوز دفع الزكاة إلى الكفار؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم» أي أغنياء المسلمين وفقرائهم دون غيرهم، ولأن من مقاصد الزكاة إغناء فقراء المسلمين، وتوطيد دعائم المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع المسلم، وذلك لا يجوز مع الكفار.
4- آل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تحل الزكاة لآل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إكراماً لهم لشرفهم؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنها لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس». وآل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل: هم بنو هاشم، وبنو المطلب؛ وقيل: هم بنو هاشم فقط، وهو الصحيح. وعليه يصح دفع الزكاة إلى بني المطلب؛ لأنهم ليسوا من آل محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعموم الآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60]، فيدخل فيهم بنو المطلب.
5- وكذلك لا يجوز دفع الزكاة لموالى آل النبي؛ لحديث: «إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم». وموالي القوم: عتقاؤهم. ومعنى «من أنفسهم»: أي: فحكمهم كحكمهم، فتحرم الزكاة على موالي آل بني هاشم.
6- العبد: لا تدفع الزكاة إلى العبد؛ لأن مال العبد ملك لسيده، فإذا أعطي الزكاة انتقلت إلى ملك سيده، ولأن نفقته تلزم سيده. ويستثنى من ذلك: المكاتب فإنه يعطى من الزكاة ما يقضي به دين كتابته، والعامل على الزكاة، فإذا كان العبد عاملاً على الزكاة أعطي منها لأنه كالأجير، والعبد يجوز أن يستأجر بإذن سيده.
فمن دفعها لهذه الأصناف مع علمه بأنه لا يجوز دفعها لهم، فهو آثم.
.المسألة الثالثة: هل يشترط استيعاب الأصناف الثمانية المذكورة عند تفريق الزكاة؟
لا يشترط استيعاب الأصناف الثمانية المذكورة عند تفريق الزكاة على القول الصحيح، بل يجزئ دفعها لأي صنف من الأصناف الثمانية، لقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271].
وقولى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» متفق عليه، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقبيصة: «أقم عندنا حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها».
فهذه الأدلة تدل على أن المراد بقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية [التوبة: 60]، بيان المستحقين للزكاة لا تعميم المستحقين عند تفريقها.
.المسألة الرابعة: في نقل الزكاة من بلدها إلى بلد آخر:
يجوز نقل الزكاة من بلدها إلى بلد آخر قريب أو بعيد للحاجة، مثل أن يكون البلد البعيد أشد فقراً، أو يكون لصاحب الزكاة أقارب فقراء في بلد بعيد مثل فقراء بلده، فإن في دفعها إلى أقاربه تحصيل المصلحة، وهي الصدقة والصلة.
وهذا القول بجواز نقل الزكاة هو الصحيح؛ لعموم قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] أي: الفقراء والمساكين في كل مكان.
.رابعاً: كتاب الصيام:
ويشتمل على خمسة أبواب:
.الباب الأول: في مقدمات الصيام:
وفيه مسائل:
.المسألة الأولى: تعريف الصيام، وبيان أركانه:
1- تعريفه: الصيام في اللغة: الإمساك عن الشيء.
وفي الشرع: الإمساك عن الأكل، والشرب، وسائر المفطرات، مع النية، من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.
2- أركانه: من خلال تعريف الصيام في الاصطلاح، يتضح أن له ركنين أساسين، هما:
الأول: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
ودليل هذا الركن قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]. والمراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود: بياض النهار وسواد الليل.
الثاني: النية، بأن يقصد الصائم بهذا الإمساك عن المفطرات عبادة الله عز وجل، فبالنية تتميز الأعمال المقصودة للعبادة عن غيرها من الأعمال، وبالنية تتميز العبادات بعضها عن بعض، فيقصد الصائم بهذا الصيام: إما صيام رمضان، أو غيره من أنواع الصيام.
ودليل هذا الركن قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
.المسألة الثانية: حكم صيام رمضان ودليل ذلك:
فرض الله عز وجل صيام شهر رمضان، وجعله أحد أركان الإسلام الخمسة؛ وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]. وقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].
ولما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلاً».
ولما رواه طلحة بن عبيد الله أن أعرابياً جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله علي من الصيام؟، قال: «شهر رمضان»، قال: هل عليَّ غيره؟ قال: «لا، إلا أن تطوع شيئاً...» الحديث.
وقد أجمعت الأمة على وجوب صيام رمضان، وأنه أحد أركان الإسلام التي عُلمت من الدين بالضرورة، وأن منكره كافر، مرتد عن الإسلام.
فثبت بذلك فرضية الصوم بالكتاب والسنة والإجماع، وأجمع المسلمون على كفر من أنكره.
.المسألة الثالثة: أقسام الصيام:
الصيام قسمان: واجب، وتطوع؛ والواجب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- صوم رمضان.
2- صوم الكفارات.
3- صوم النذر.
والكلام هنا ينحصر في صوم رمضان، وفي صوم التطوع، أما بقية الأقسام فتأتي في مواضعها، إن شاء الله تعالى.
.المسألة الرابعة: فضل صيام شهر رمضان، والحكمة من مشروعية صومه:
1- فضله: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه».
وعنه رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر».
هذا بعض ما ورد في فضل صيام شهر رمضان، وفضائله كثيرة.
2- الحكمة من مشروعية صومه: شرع الله سبحانه الصوم لحكم عديدة وفوائد كثيرة، فمن ذلك:
1- تزكية النفس، وتطهيرها، وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة؛ لأن الصوم يضيق مجاري الشيطان في بدن الإنسان.
2- في الصوم تزهيد في الدنيا وشهواتها، وترغيب في الآخرة ونعيمها.
3- الصوم يبعث على العطف على المساكين، والشعور بآلامهم؛ لأن الصائم يذوق ألم الجوع والعطش.
إلى غير ذلك من الحكم البليغة، والفوائد العديدة.
.المسألة الخامسة: شروط وجوب صيام رمضان:
يجب صيام رمضان على من توافرت فيه الشروط التالية:
1- الإسلام: فلا يجب، ولا يصح الصيام من الكافر؛ لأن الصيام عبادة، والعبادة لا تصح من الكافر، فإذا أسلم لا يلزم بقضاء ما فاته.
2- البلوغ: فلا يجب الصيام على من لم يبلغ حد التكليف؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رفع القلم عن ثلاثة» فذكر منهم الصبي حتى يحتلم، ولكنه يصح الصيام من غير البالغ لو صام، إذا كان مميزاً، وينبغي لولي أمره أن يأمره بالصيام؛ ليعتاده ويألفه.
3- العقل: فلا يجب الصيام على المجنون والمعتوه؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رفع القلم عن ثلاثة» فذكر منهم المجنون حتى يفيق.
4- الصحة: فمن كان مريضاً لا يطيق الصيام لم يجب عليه، وإن صام صح صيامه؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]. فإن زال المرض وجب عليه قضاء ما أفطره من أيام.
5- الإقامة: فلا يجب الصوم على المسافر؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} الآية؛ فلو صام المسافر صَحَّ صيامه، ويجب عليه قضاء ما أفطره في السفر.
6- الخلو من الحيض والنفاس: فالحائض والنفساء لا يجب عليهما الصيام، بل يحرم عليهما؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أليس إذا حاضت لم تصلِّ، ولم تصم؟، فذلك من نقصان دينها». ويجب القضاء عليهما؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق